فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} فيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم قوم في قلوبهم شك كانوا تكلموا بالإسلام وهم بمكة، قاله ابن عباس ومجاهد.
والثاني: أنهم المشركون، قاله الحسن.
والثالث: أنهم قوم مرتابون لم يظهروا العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف المنافقين.
والمرض في القلب كله هو الشك، وهو مشهور في كلام العرب، قال الشاعر:
ولا مرضًا أتقيه إني لصائن ** لعرضي ولي في الأليّة مفخر

وقوله تعالى: {غَرَّ هَؤُلاءِ} يعني المسلمين.
{دينُهُمْ} يعني الإسلام، لأن الله تعالى قلل المشركين في أعين المسلمين ليتقدموا عليهم، وقلَّل المسلمين في أعين المشركين ليستهينوا بهم حتى أظفر بهم المسلمين فقتلوا من قتلوا وأسروا من أسروا. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} الآية.
العامل في {إذ} {زين} أو {نكص} لأن ذلك الموقف كان ظرفًا لهذه الأمور كلها، وقال المفسرون إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم وقلة عددهم، قالوا مشيرين إلى المسلمين {غرَّ هؤلاء دينهم} أي اغتروا فأدخلوا نفوسهم فيما لا طاقة لهم به.
قال القاضي أبو محمد: والنفاق أخص من مرض القلب لأن مرض القلب مطلق على الكافر وعلى من اعترضته شبهة وعلى من بينهما، وكني بالقلوب عن الاعتقادات إذ القلوب محلها، وروي في نحو هذا التأويل عن الشعبي أن قومًا ممن كان الإسلام داخل قلوبهم خرجوا مع المشركين إلى بدر، منهم من أكره ومنهم من داجى وداهن، فلما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم ارتابوا واعتقدوا أنهم مغلوبون، فقالوا {غر هؤلاء دينهم}، قال مجاهد: منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وعلي بن أمية بن خلف، والعاصي بن أمية.
قال القاضي أبو محمد: ولم يذكر أحد ممن شهد بدرًا بنفاق إلا ما ظهر بعد ذلك من معتب بن قشير أخي بني عمرو بن عوف، فإنه القائل يوم أحد {لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا} [آل عمران: 154] وقد يحتمل أن يكون منافقو المدينة لما وصلهم خروج قريش في قوة عظيمة قالوا عن المسلمين هذه المقالة، فأخبر الله بها نبيه في هذه الآية، ثم أخبر الله عز وجل بأن من توكل على الله واستند إليه، فإن عزة الله تعالى وحكمته كفيلة بنصره وشد أعضاده، وخرجت العبارة عن هذا المعنى بأوجز لفظ وأبلغه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إذ يقول المنافقون}
قال ابن عباس: هم قوم من أهل المدينة من الأوس والخزرج.
فأما الذين في قلوبهم، مرض ففيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم قوم كانوا قد تكلَّموا بالإِسلام بمكة، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر كُرهًا؛ فلما رأوا قلَّة المسلمين وكثرة المشركين، ارتابوا ونافقوا، وقالوا: {غرَّ هؤلاءِ دينُهم}، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وإليه ذهب الشعبي في آخرين.
وعدَّهم مقاتل، فقال: كانوا سبعة: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منية بن الحجاج، والوليد بن الوليد بن المغيرة، والوليد ابن عتبة ابن ربيعة.
والثاني: أنهم المشركون، لما رأوا قلة المسلمين، قالوا: {غرَّ هؤلاءِ دينُهم} رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن.
والثالث: أنهم قوم مرتابون، لم يظهروا عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره الماوردي.
والمرض هاهنا: الشك، والإشارة بقوله: {هؤلاء} إلى المسلمين؛ وإنما قالوا هذا، لأنهم رأوا قلَّة المسلمين، فلم يشكّوا في أن قريشًا تغلبهم. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ}
قيل: المنافقون: الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر.
والذين في قلوبهم مرض: الشاكّون، وهم دون المنافقين؛ لأنهم حديثو عهد بالإسلام، وفيهم بعض ضعف نية.
قالوا عند الخروج إلى القتال وعند التقاء الصفّين: غَرّ هؤلاء دينهم.
وقيل: هما واحد؛ وهو أولى.
ألا ترى إلى قوله عز وجل: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: 3] ثم قال: {والذين يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة: 4] وهما لواحد. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {إذ يقول المنافقون} يعني من أهل المدينة {والذين في قلوبهم مرض} أي شك وارتياب وهم قوم من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يقو الإسلام في قلوبهم ولم يتمكن فلما خرج كفار قريش إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا معهم إلى بدر فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا وارتدوا وقالوا {غر هؤلاء دينهم} يعني أن هؤلاء نفر قليلون يقاتلون أضعافهم فقد غرهم دينهم الإسلام على ذلك وحملهم على قتل أنفسهم رجاء الثواب في الآخرة فقتلوا جميعًا يوم بدر.
وقال مجاهد: إن فئة من قريش وهم قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة بن زمعة بن الأسود بن المطلب، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج، خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب، فحبسهم ارتيابهم فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: غر هؤلاء دينهم ثم قال تعالى: {ومن يتوكل على الله} يعني ومن يسلم أمره إلى الله ويثق بفضله ويعول على إحسانه {فإن الله} حافظه وناصره لأنه {عزيز} لا يغلبه شيء {حكيم} فيما قضى وحكم فيوصل الثواب إلى أوليائه والعقاب إلى أعدائه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرّ هؤلاء دينهم}
العامل في {إذ} {زيّن} أو {نكص} أو {سميع عليم} أو {اذكروا} أقوال وظاهر العطف التغاير.
فقيل {المنافقون} هم من الأوس والخزرج لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: نخرج معه، وقال بعضهم: لا نخرج {غرّ هؤلاء} أي المؤمنين {دينهم} فإنهم يزعمون أنهم على حق وأنهم لا يغلبون هذا معنى قول ابن عباس، {والذين في قلوبهم مرض} قوم أسلموا ومنهم أقرباؤهم من الهجرة فأخرجتهم قريش معها كرهًا فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا وقالوا {غرّ هؤلاء دينهم} فقتلوا جميعًا، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والحرث بن زمعة بن الأسود وعلي بن أمية والعاصي بن منبه بن الحجاج ولم يذكر أنّ منافقًا شهد بدرًا مع المسلمين إلا معتب بن قشير فإنه ظهر منه يوم أحد قوله: {لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا}، وقيل {والذين في قلوبهم مرض} هو من عطف الصّفات وهي لموصوف واحد وصفوا بالنفاق وهو إظهار ما يخفيه من المرض كما قال تعالى: {في قلوبهم مرض} وهم منافقو المدينة، وعن الحسن هم المشركون ويبعد هذا إذ لا يتّصف المشركون بالنفاق لأنهم مجاهرون بالعداوة لا منافقون، وقال ابن عطية، قال المفسّرون: إنّ هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلّة عددهم قالوا مشيرين إلى المسلمين {غرّ هؤلاء دينهم} أي اغترّوا فأدخلوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به وكنّى بالقلوب عن العقائد والمرض أعمّ من النفاق إذ يطلق مرض القلب على الكفر.
{ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم} هذا يتضمن الردّ على من قال: {غرّ هؤلاء دينهم} فكأنه قيل هؤلاء في لقاء عدوّهم هم متوكلون على الله فهم الغالبون، {ومن يتوكل على الله} ينصره ويعزَّه {فإن الله عزيز} لا يغالب بقوة ولا بكثرة {حكيم} يضع الأشياء مواضعها أو حاكم بنصره من يتوكل عليه فيديل القليل على الكثير. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِذْ يَقُولُ المنافقون}
منصوبٌ بزيّن أو بنكَص أو بشديد العقاب {والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي الذين لم تطمئن قلوبُهم بالإيمان بعد وبقيَ فيها نوعُ شُبهةٍ وقيل: هم المشركون وقيل: هم المنافقون في المدينة، والعطفُ لتغايُر الوصفين كما في قوله:
يالهفَ زيابةَ للحارث الصابحِ فالغانم فالآيبِ...
{غَرَّ هَؤُلاء} يعنون المؤمنين {دِينَهُمُ} حتى تعرّضوا لما طاقةَ لهم به فخرجوا وهم ثلثُمائةٍ وبضعةَ عشرَ إلى زُهاء ألف {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله} جوابٌ لهم من جهته تعالى وردٌّ لمقالتهم: {فَإِنَّ الله عَزِيزٌ} غالبٌ لا يذِلُّ من توكل عليه واستجار به وإن قلَّ {حَكِيمٌ} يفعل بحكمته البالغةِ ما تستبعده العقولُ وتحار في فهمه ألبابُ الفحول، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ لدِلالة المذكور عليه. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ} ظرف لزين أو نكص أو {شديد العقاب} [الأنفال: 48]، وجوز أبو البقاء أيضًا أن يقدر اذكروا {والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي الذين لم تطمئن قلوبهم بالإيمان بعد وبقي فيها شبهة، قيل: وهم فتية من قريش أسلموا بمكة وحبسهم آباؤهم حتى خرجوا معهم إلى بدر.
منهم قيس بن الوليد بن المغيرة والعاص بن منبه بن الحجاج والحرث بن زمعة وأبو قيس بن الفاكه، فالمرض على هذا مجاز عن الشبهة.
وقيل: المراد بهم المنافقون سواء جعل العطف تفسيريًا أو فسر مرض القلوب بالأحن والعداوات والشك مما هو غير النفاق، والمعنى إذ يقول الجامعون بين النفاق ومرض القلوب، وقيل: يجوز أن يكون الموصول صفة المنافقين، وتوسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف لأن هذه صفة للمنافقين لا تنفك عنهم، أو تكون الواو داخلة بين المفسر والمفسر نحو أعجبني زيد وكرمه، وزعم بعضهم أن ذلك وهم وهو من التحامل بمكان إذ لا مانع من ذلك صناعة ولا معنى، والقول بأن وجه الوهم فيه أن المنافقين جار على موصوف مقدر أي القوم المنافقون فلا يوصف ليس بوجيه إذ للقائل أن يقول: إنه أجرى المنافقون هنا مجرى الأسماء مع أن الصفة لا مانع من أن توصف وقيام العرض بالعرض دون إثبات امتناعه خرط القتاد، ومن فسر الذين في قلوبهم مرض بأولئك الفئة الذين أسلموا بمكة قال: إنهم لما رأوا قلة المسلمين قالوا: {غَرَّ هَؤُلاء} يعنون المؤمنين الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {دِينَهُمُ} حتى تعرضوا لمن لايدي لهم به فخرجوا وهم ثلثمائة وبضعة عشر إلى زهاء الألف، وعلى احتمال جعله صفة للمنافقين يشعر كلام البعض أن القول لم يكن عند التلاقي، فقد روى عن الحسن أن هؤلاء المنافقين لم يشهدوا القتال يوم بدر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: هم يومئذٍ في المسلمين، وفي القلب من هذا شيء، فإن الذي تشهد له الآثار أن أهل بدر كانوا خلاصة المؤمنين {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله} جواب لهم ورد لمقالتهم {فَإِنَّ الله عَزِيزٌ} غالب لا يذل من توكل عليه ولا يخذل من استجار به وإن قل {حَكِيمٌ} يفعل بحكمته البالغة ما تستبعده العقول، وتحار في فهمه ألباب الفحول.
وجواب الشرط محذوف لدلالة المذكور عليه أو أنه قائم مقامه. اهـ.

.قال ابن عجيبة:

الإشارة: إذا عظم اليقين في قلوب أهل التقى أقدموا على أمور عظام، تستغرب العادة إدراكها، أو يغلب العطب فيها، فيقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: غرَّ هؤلاء طريقتهم، ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز لا يُغلبْ، ولا يُغلبْ من انتسب إليه، وتوكل في أموره عليه، حكيم فلا يَخرج عن حكمته وقدرته شيء، أو عزيز لا يُذل من استجار به، ولا يضيع من لاذ به، والتجأ إلى ذماره، حكيم لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره، قاله في الإحياء. ثم قال: وكل ما ذكر في القرآن من التوحيد هو تنبيه على قطع الملاحظة عن الأغيار، والتوكل على الواحد القهار. اهـ وبالله التوفيق. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ}
يتعلّق {إذ يقول} بأقرب الأفعال إليه وهو قوله: {زين لهم الشيطان أعمالهم} [الأنفال: 48] مع ما عطف عليه من الأفعال، لأنّ {إذ} لا تقتضي أكثر من المقارنة في الزمان بين ما تضاف إليه وبين متعلَّقها، فتعين أن يكون قول المنافقين واقعًا في وقت تزيين الشيطان أعمال المشركين فيتم تعليق وقت قول المنافقين بوقت تزيين الشيطان أعمال المشركين، وإنّما تُطلب المناسبة لذكر هذا الخبر عقب الذي وَليه هو، وتلك هي أنّ كلا الخبرين يتضمّن قوّة جيش المشركين، وضعف جيش المسلمين، ويقينَ أولياء الشيطان بأنّ النصر سيكون للمشركين على المسلمين.